الوضع المظلم
الإثنين ٠٦ / مايو / ٢٠٢٤
Logo
  • الرئيس والمعارضة.. رسائل للسياسة وأخرى للتاريخ في "الجمهورية الجديدة"

الرئيس والمعارضة.. رسائل للسياسة وأخرى للتاريخ في
 رامي شفيق

غير مرة يظهر الرئيس المصري، عبد الفتاح السيسي، وسط أبناء شهداء الوطن، ليحتفل معهم بمناسبات دينية ووطنية. المشهد المتكرر للرئيس وخصوصيته يحفل بكثير من الرسائل والدلالات.

اللقاء الأخير (في عيد الفطر المبارك) الذي جمع الرئيس وأبناء الشهداء من ضباط وضباط صف وجنود القوات المسلحة والشرطة المصرية، بدا فيه بعض أطفال الشهداء متأثرين بينما الدموع تباغتهم وهم يتابعون بعيونهم التي تختلط فيها المشاعر صور آبائهم الذين بذلوا أرواحهم في معركة الإرهاب.

في هذا اللقاء تحدث الرئيس عن التحديات الهائلة، خاصة فيما يتصل بضرورة مراكمة الوعي ضد التشدد الديني والفكري، واللجوء إلى العنف ضد بنية الدولة وتهديد استقرار أركانها، ومدى أهمية الدراما وما تقدمه في هذا السبيل، وكذا تحدث عما فرطت فيه جماعة الإخوان، خلال شهور حكمها، الأمر الذي تسبب في عدم استقرار الأوضاع السياسية. وذلك رغم جهود ومحاولات حثيثة من المؤسسات وأجهزة الدولة لمد خطوط التواصل، مرة، مع الشعب المصري بكافة طبقاته وفصائله، ومرة أخرى مع القوى السياسية وضخ إمدادات الرجاء والأمل في أوردة وشرايين الوطن. فضلاً عن محاولات القوات المسلحة احتواء الاستقطاب الحاد الذي ضرب المجتمع خلال الفترة بين عامي 2012 - 2013 ما بدا للجميع حينها أن الشعب المصري وربما للمرة الأولى يتأهب للصراع والاحتراب الداخلي.

اللقاء الذي سبق احتفالية عيد الفطر المبارك وجاء تحت عنوان: "إفطار الأسرة المصرية"، كان لافتاً من جانب ظهور بعض رموز المعارضة المصرية في حفل الإفطار. إذ حضر حمدين صباحي، المرشح الرئاسي السابق أمام الرئيس السيسي، والصحفي ورئيس حزب الدستور سابقاً خالد داوود. واللافت أن ثمة جملة من الرسائل التي دفعها الرئيس في ذهنية المجتمع بمعناه العام والشامل، تهدف إلى إذابة الجليد الذي تكون بين الطرفين، وتذويب الجلطات التي شكلتها المسارات المتناقضة وتباين الرؤية تجاه الأولويات السياسية، والوقوف عند منطقة آمنة باستعادة الاصطفافات على مساحة تتسع فيها نقاط التوافق الرئيسة وتنحية الخلافات الثانوية. منع الصدامات أو بالأحرى إنهاء الانسدادات السياسية سوف يشكل لحظة مفصلية لتفويت الفرصة على قوى الإسلام السياسي، وحواضنهم، والأطراف الخارجية الداعمة له. كما سيشكل قاعدة متينة وصلبة لمواجهة الهزات الأرضية التي تختبر صلابة وقوة الأرض التي يقف عليها الجميع. فالجميع بحاجة إلى الأرض دون انقسام افتراضي أو واقعي، وبحاجة إلى عقل وازن لا يدفع بتشنجات عصبية في أنحاء الجسد.

كما كان الحفل باعثاً لتصورات جديدة ومختلفة عن مصر القادمة، حيث العفو والإفراج عن بعض المسجونين على ذمة قضايا تتعلق بالنشاط السياسي مثلما كان الحال مع الإفراج عن الناشط حسام مؤنس صبيحة حفل إفطار الأسرة المصرية. تلك الخطوة المهمة والحيوية التي يجري استكمالها لإحداث انفراج سياسي.

جاء العام 2022 وكان العالم قد اتخذ قراراً بعدم احتمال أوضاعه غير المستقرة في بقاع جغرافية شديدة التأثير سياسياً واستراتيجياً، فضلاً عن كونه ما زال تحت قبضة ما فرضته جائحة فيروس كورونا المستجد من تداعيات لا محدودة على كافة أركان النظام الدولي. ونحو ذلك يشتعل رأس العالم وقمته من جراء الصراع العسكري على مسرح الأحداث بين روسيا وأوكرانيا، واحتدام الأوضاع ميدانياً منذ شهر شباط / فبراير الماضي. الأمر الذي يستقطب معه عديد التفاعلات الدولية، سواء من جانب الولايات المتحدة الأمريكية ودول الناتو.

وعلى ما يبدو أن ثمة مسرح آخر ممتد على كافة أرجاء المعمورة، يراكم تداعيات جمة على المستوى الاقتصاد السياسي والسياسات النقدية، لا سيما مع قرار الفيدرالي الأمريكي برفع سعر الفائدة مرة جديدة مطلع شهر أيار/ مايو الجاري، وكذا مع توقعات الخبراء الاقتصاديين لمعاودة الأخير قراره رفع الفائدة خلال العام بنسبة تقترب من 75 نقطة المرة القادمة، الأمر الذي يؤدي بالضرورة إلى آثار سلبية على الاقتصاد العالمي. وتصل رؤية البعض نحو خطر الركود التضخمي فضلاً عن تداعياته على اقتصاديات الدول النامية خاصة في منطقة الشرق الأوسط.

إلى ذلك، لم تكن القاهرة بعيدة عن تلك الأحداث والتطورات السياسية والاقتصادية والمالية، خاصة أن كافة دول الشرق الأوسط ترقب جيداً كافة ما يدور على الأرض وفي الكواليس. وتدرك عميقاً أن عليها التحرك بعيداً عن المناكفات التي ملأت الجغرافيا السياسية للمنطقة خلال السنوات الفائتة التي بعثت أحداث واضطرابات ما بعد الربيع العربي.

لذا، نجد تطبيقاً لذلك عبر حديث التسويات السياسية الحاضر بقوة بين القاهرة - أبو ظبي - الرياض، من جهة، وأنقرة، من جهة أخرى، وذلك بمستويات متباينة وبحسب الملفات العالقة والمشتركة بين الأطراف وبعضها. وكذا مفاوضات الرياض وطهران من أجل ترميم ما بينهما من اشتباكات، وفرز الالتزامات الجيواستراتيجية، لا سيما في الداخل اليمني.

بيد أنّ ذلك كله يلقي بثقله على الداخل المصري الذي يعاني على مستوى هيكله السياسي من تشوهات تعود إلى عقود طويلة وابتعاد الأنظمة المتعاقبة من تنمية المجال السياسي، ما يسمح بأن تتطور تجربة الأحزاب السياسية وتنطلق نحو أفق معلوم، ولعل ذلك ما تدركه حين قال الرئيس السيسي في اجتماع المجلس الأعلى للقوات المسلحة المصرية بعد عام 2011 أن القادم لحكم مصر سيكون من داخل "الجماعة".

سنوات العقد الفائت نسخت تجربة الحكم في مصر، وكيف أنها تأتي في صورة إجابات حتمية عن سؤال رئيس مؤداه كيف تهرب منا الفرص، وكيف نصنع أزماتنا. بيد أن حديث الرئيس الأخير عن أسس الجمهورية الجديدة وعقد جلسات الحوار الشامل مع القوى الوطنية يصح معه القول إن على الجميع إدراك العمل بعيداً عن لغم التناقضات، وتبديد صيغة الأمن السياسي المحدود والضيق، ومن ثم، الاستجابة للحوار والنقاش، واستيعاب كافة الآراء والتوجهات، دون النظر لها بريبة وحذر، طالما تتحرك داخل أركان الدولة ومفهوم الوطن.

لا ينبغي النظر إلى حديث الرئيس في حفل إفطار الأسرة المصرية من نقطة الاقتراب المقدس لتنظير الجمهورية الجديدة، بل من مبدأ الضرورة الاستراتيجية نتيجة التحولات الحادة إقليمياً ودولياً، وإيجاد عتبة جديدة لعبور الأزمات السياسية والاقتصادية حتى وإن بدا للجميع أن ذلك توطئة حتمية تحتاج للمزيد والمتابعة.

السلطة أي سلطة مسؤولة عن طمأنة القوى السياسية، وبثّ الأمل لدى شعبها. ولعل ذلك ما جرى، دفعة واحدة، خلال لقاء إفطار الأسرة المصرية واحتقالية عيد الفطر المبارك حين أكد الرئيس أن مصر كانت وما زالت ترتبط شرعية الحكم فيها وهي تحافظ على استقرارها ويحرث جنودها أرضها بدمائهم.
 

ليفانت - رامي شفيق

النشرة الإخبارية

اشترك في قائمتنا البريدية للحصول على التحديثات الجديدة!